المهزلة الهولندية

في الأسابيع الماضية خرج أحد نواب البرلمان الهولندي ليطالب بحبس المسلمات المنتقبات والمحجبات بالإضافة الى تجريم الحجاب.. وفي الأيام الماضية خرج رئيس مايسمى بحزب الشعب في هولندا يدعو الى منع وتجريم القرآن الكريم في هولندا بعد أن وصفه بـ"الكتاب الفاشي".

وفي هذه المهزلة الهولندية الجديدة التي أتت بعد مهازل أخرى دنماركية وألمانية وفرنسية وإيطالية بل وحتى قرغيزية (بعد حكم محكمة في ذلك البلد بحظر الحجاب في المعاهد التعليمية) كان هناك تطور جديد لافت للنظر في العالم العربي والإسلامي وهو أنه لم يصدر احتجاج واحد في أي مستوى رغم فظاعة التجرؤ والذي بالقطع يزيد حدة عن حكاية الرسوم الكاريكاتيرية الدنماركية ورغم ذيوعه في شتى وسائل الإعلام.

والسبب في هذا الغياب لردود الأفعال واضح وبسيط وهو أن المسلمين قد تعلموا الدرس جيداً أو لقنوه من خلال عشرات المهازل المماثلة في أوروبا وفي بلادهم ذاتها.. وهذا الدرس هو أنهم لايجب أن تصدر عنهم أي ردود أفعال حادة أو مزعجة على مثل هذه المهازل وإلا كان الرد العكسي أفظع.. تعلم المسلمون أن أنظمة الحكم في بلادهم التابعة للغرب والمعتمدة عليه بالكامل في البقاء والإستمرارية والتوريث للأهل والأحباب لاتستطيع أن تتحمل مسئولية أي رد فعل غاضب ضد الإجتراءات والإهانات ضد الإسلام ورموزه حتى ولو لم يكن رد الفعل هذا صادراً منها هي وإنما من بعض العلماء أو الأشخاص داخل أراضيها.

لكن المسلمين لم يتعلموا فقط درس فشل أنظمتهم ومؤسساتهم الدينية وخواء ردود أفعالهم وإنما تعلموا كذلك أن ردود أفعالهم نفسها أصبحت مقصورة على الصخب والضجيج الأجوف. وأقول الأجوف وليس الضعيف لأن رد الفعل الأجوف قد يكون قوياً من ناحية الصوت والإنتشار لكنه لايحتوي على أي مضمون أكثر من تكرار الإهانات والإساءات الأصلية التي أطلقت ضد الإسلام. وهذا الطابع الأجوف لردود الأفعال الإسلامية على الإساءات والافتراءات الغربية (وبصرف النظر عن ضعف هذه الردود) هو المسئول صراحة عن إنفضاض عامة الناس في العالم الإسلامي عنها حيث تحولت الى مجرد طقوس خاوية من الروح والمعنى يصدر بشكل رتيب وآلي إثر كل حادثة إستفزازية. ولهذا السبب لم تعد ردود الأفعال على تلك الحالات قوية كما كان الأمر مثلاً بعد نشر رواية سلمان رشدي.

وجاءت هذه المهزلة الهولندية وإنعدام أي رد فعل على وصف القرآن الكريم بـ"الكتاب الفاشي" لتؤكد هذا الإنفضاض والضجر بردود أفعال جوفاء لا تلبث أن تخمد لتعود كل مرة أكثر ضعفاً حتى تختفي وتذبل وتصبح الساحة حرة أمام كل من يريد الهجوم على الإسلام وإحتقاره في الغرب أو في الشرق لكي يمارس مهازله دون خشية شيء.. وذلك في الوقت الذي لايستطيع أي صوت في أوروبا مثلاً أن يهاجم مجموعة المقدسات الأوروبية والغربية الحديثة من مزاعم إبادة اليهود الى الشذوذ الجنسي، ولا القديمة كذلك مثل عقيدة الكنائس أو النظام الرأسمالي.

ولكن يجب ألا يلقى اللوم على الغربيين وحدهم فالإسلاميون يتحملون نصيبهم المشهود من هذا الذبول والإختفاء للغيرة الشعبية على المقدسات حيث إختلطت ردود أفعالهم على الإساءات في السنوات الأخيرة بعيوب عديدة كان أبرزها الانفعال والاندفاع وإصدار الضجيج والصخب دون وجود قاعدة قوة شعبية أو حتى إعلامية تسانده والوقوع في فخاخ التضخيم والمبالغة والجري وراء إساءات وهمية لم تقع أو انتزاع حالات أخرى من سياقها وإبرازها وتهويلها.

ساعدت هذه العيوب كلها ليس فقط على جلب الشهرة لمن أصدروا الإساءات وإنما أدت ـ وهو الأخطر ـ الى الإنفضاض الشعبي الإسلامي العام عن المشاركة في أي ردود أفعال مماثلة بل وأدت في وضع أشد خطورة هو إسقاط مبدأ ومشاعر الغيرة على المقدسات الدينية نفسها.

فعلاً مهزلة